
هل كل نجاح محلي يعني أنك مستعد للعالم؟
هل يكفي نجاحك في السوق المحلي لتغزو العالم؟ وهل التوسع الدولي دائمًا خطوة ذكية، أم قد يكون أقصر الطرق للخسارة؟ كثير من روّاد الأعمال في السعودية وجدوا أنفسهم في مأزق حين انتقلوا إلى أسواق جديدة دون استعداد حقيقي. فالتوسع ليس تكرارًا للتجربة، بل مغامرة تتطلب فهمًا عميقًا لسلوك المستهلك وثقافة العمل والقوانين المحلية في السوق المستهدف. أخطاء بسيطة في البداية قد تتحول إلى عثرات كبرى تكلف الوقت والمال والسمعة. في هذا المقال، نستعرض أبرز الأخطاء التي وقعت فيها شركات سعودية عند التوسع خارج المملكة، ونحلل كيف ولماذا حدث ذلك، ثم نشارك دروسًا عملية تساعدك على التوسع بذكاء، لا بمجرد الحماس. فهل نملك الجرأة لنتعلم من التجارب قبل أن نعيد ارتكابها؟
الاندفاع نحو التوسع بدافع البريستيج-لا بداعي الحاجة!
الاندفاع هو خطأ شائع يرتكبه الكثيرون عندما يرون أن التوسع خارج المملكة هو مجرد طريقة لإثبات وجودهم على خارطة الأعمال العالمية، دون دراسة حقيقية للسوق المستهدف. مثلًا، عندما قررت شركة العربية للعود التوسع في أوروبا، افتتحت فروعًا في باريس ولندن، لكنها لم تحقق النجاح المتوقع. السبب كان عدم دراسة التفضيلات الفعلية للمستهلك الأوروبي، الذي يميل إلى روائح مختلفة وأساليب تسويق مغايرة، فكانت النتيجة إغلاق بعض الفروع بعد فترة وجيزة. وهذا يوضح أن التوسع لا يجب أن يكون لأجل المظهر فقط، بل يجب أن ينبع من حاجة حقيقية وإستراتيجية مدروسة.
التجاهل التام للفروقات الثقافية
من الأخطاء الشائعة التي تواجه الشركات عند التوسع الدولي هو الافتراض بأن ما نجح في السوق المحلي سينجح بنفس الشكل في الأسواق الجديدة دون تعديل. شركة بيت التحلية، الشهيرة بحلوياتها السعودية التقليدية، قررت دخول السوق التركي بنفس المنتجات التي لاقت نجاحًا في المملكة العربية السعودية. لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأذواق التركية التي تميل إلى نكهات أقل حلاوة وقوام مختلف، فضلًا عن ارتباط الأتراك بحلويات محلية تقليدية مثل البقلاوة والكنافة. هذا التجاهل أدى إلى ضعف الإقبال على منتجاتها، مما تسبب في خسائر واضطرار الشركة لتقليص فروعها هناك. هذه التجربة تبرز أهمية فهم الثقافة المحلية واحتياجات المستهلك في كل سوق قبل التوسع، فالفشل في ذلك قد يكلف المشروع كثيرًا.
الاعتماد الأعمى على نموذج العمل المحلي
الاعتماد على نموذج العمل ذاته الذي نجح في السعودية دون تعديل يتسبب في إخفاقات عديدة. تطبيق مرسول عندما دخل السوق المصري، استند إلى نفس نموذج التوصيل الحر الذي نجح محليًا، لكنه واجه صعوبات بسبب اختلاف البنية التحتية وطريقة تعامل السائقين والعملاء هناك. ولذلك، خسر جزءًا من فاعلية خدماته وتقدمه لم يكن بنفس القوة التي حققها في السعودية. وهذا يبين ضرورة تعديل نموذج العمل ليتناسب مع خصوصيات السوق الجديد.
الإهمال في بناء شراكات محلية فاعلة
عندما تخوض تجربة التوسع الدولي، يصبح وجود شريك محلي قوي من أهم عوامل النجاح، إذ يفتح لك أبواب السوق ويسهل التعامل مع التحديات اليومية التي قد تبدو معقدة من الخارج. الإهمال في بناء تحالفات محلية يجعل المشروع كأنه يسير في طريق مجهول بلا خريطة أو دليل. مثال حي على ذلك هو تجربة منصة نون، واحدة من أكبر المنصات الإلكترونية في السعودية. عند دخولها السوق المصري، واجهت في البداية صعوبات لوجستية وتنظيمية، مثل تأخر عمليات التوصيل، اختلاف اللوائح، واختلاف سلوك العملاء. لكن بعد أن بدأت نون في تكوين شراكات مع شركات توصيل محلية وشركات خدمات لوجستية مصرية، تحسّنت عملياتها بشكل ملحوظ، وأصبح لديها فهم أفضل لسوق مصر، مما مكّنها من بناء علاقة ثقة مع العملاء واستمرار نموها. هذا يبرز مدى أهمية البحث عن شريك محلي موثوق يمتلك خبرة السوق، ويستطيع تقديم الدعم الفعلي، سواء على مستوى العمليات أو التسويق، لتيسير عملية التوسع وتجنب الوقوع في مطبات غير متوقعة.
التسرع في الإنفاق دون اختبار السوق
الاستثمار الكبير في إنشاء فروع ضخمة وبنية تحتية مرتفعة التكاليف قبل اختبار قابلية السوق قد يكون مخاطرة باهظة، تؤدي إلى خسائر جسيمة قد تؤثر على استمرارية المشروع. تجسّد ذلك تجربة سلسلة مقاهي باڤلوفا السعودية، التي افتتحت فرعًا فاخرًا في دبي بموقع مميز وتصميم راقٍ، لكنها لم تأخذ في الحسبان مستوى التنافس الشرس وذوق المستهلك الإماراتي الذي يختلف عن نظيره السعودي. هذا التجاهل للفروق الدقيقة أدى إلى ضعف الإقبال على الفرع، مما اضطر الشركة إلى إغلاقه بعد فترة قصيرة. لذلك، من الحكمة أن تبدأ الشركات نموذجًا تجريبيًا صغيرًا أو مشروعًا محدودًا لاختبار رد فعل السوق وجمع البيانات المهمة قبل اتخاذ قرارات ضخمة، ما يوفر الوقت والمال ويقلل من المخاطر، ويمنح فرصة للتعديل والتكيف بناءً على النتائج الفعلية.
التجاهل القانوني والتنظيمي
عند التوسّع إلى أسواق جديدة، قد يغفل البعض عن مدى تعقيد الإطار القانوني والتنظيمي المحلي، ظنًا أن ما ينجح في بلدٍ ما سينجح في بلد آخر بنفس الطريقة. لكن الواقع مختلف تمامًا. فالتجاهل القانوني لا يُعدّ مجرد غفلة، بل مخاطرة قد تكلّف المشروع كثيرًا. شركة مكيال التقنية، التي كانت تطمح لتوسيع خدمات الدفع الإلكتروني في إحدى الدول الخليجية، أطلقت تطبيقها دون استكمال جميع التراخيص التنظيمية المطلوبة. النتيجة؟ تم حظر التطبيق وتعليق كافة الخدمات، مما أدى إلى خسائر مالية فادحة واهتزاز في سمعة الشركة وثقة العملاء.
الخاتمة: هل مشروعك مستعد للعالمية؟
التوسع الدولي رحلة تحتاج إلى أكثر من طموح، فهي تتطلب دراسة دقيقة، ومرونة ثقافية، وشركاء محليين موثوقين، والتزامًا قانونيًا صارمًا. هل حقًا يحتاج السوق الجديد إلى منتجك؟ وهل تستطيع تعديل خدماتك لتلائم ثقافة مختلفة؟ هل تمتلك شبكة دعم محلية قوية؟ وهل أنت مستعد لمواجهة المخاطر والتحديات؟ التوسع الناجح ليس فقط فتح أبواب جديدة، بل الحفاظ على نجاحك وتطوره في بيئات مختلفة ومتغيرة. فكر جيدًا قبل أن تخطو الخطوة، فالعالم ينتظر من يملك الجرأة والخطة الواضحة!