اعتدنا على ربط ريادة الأعمال بالمكاسب المالية، لكنّ المشهد يتبدّل تدريجياً مع زيادة وعي المستهلك وتفاقم المشاكل التي لا تعالجها الحلول التقليدية بالفعالية المطلوبة. فالتأثير الإيجابي، اجتماعياً كان أم بيئياً، لم يعد مجرد إضافة، بل أصبح محوراً رئيسياً في عالم الأعمال.
وهذا التوجّه ليس بجديد. فقد بدأت العديد من الشركات بممارسته تحت اسم مبادرات المسؤولية الاجتماعية (CSR). على سبيل المثال، تلتزم شركة "أرامكو" بخفض انبعاثاتها وتوفير الطاقة. تقدّم شركة الاتصالات STC حلولاً رقمية لتعزيز قطاع التعليم والتكنولوجيا. تدعم شركة "المراعي" الكثير من المزارعين المحليين، والأمثلة كثيرة على علامات تجارية تتجاوز بأعمالها أهداف الربح المادي.
أما ريادة الأعمال الاجتماعية، فترتقي بمفهوم المصلحة العامة أكثر بعد. هي نموذج يستخدمه أصحاب الرؤية والرسالة لإطلاق مشاريع مبتكرة تعود بالفائدة على البيئة والمجتمع أولاً ثم على استثماراتهم. ببساطة، هم يعيدون ترتيب الأولويات السائدة عند إنشاء أي شركة، حيث يركّزون على معالجة قضية ملحّة من خلال نموذج ربحي ناجح، بدلاً من إنشاء أعمال تهدف إلى الربح المادي ثم تخدم المجتمع على صعيد ثانوي.
نستعرض فيما يلي مميزات ريادة الأعمال الاجتماعية كنموذج ربحي يغذّي شغفك في العمل ويجعله أكثر تأثيراً.
-
تحديد العملاء وجذبهم بسهولة
في ريادة الأعمال الاجتماعية، أنت تنشئ مجتمعاً خاصاً بعلامتك وتجذب في دائرة واحدة أشخاص يتشاركون الاهتمامات أو التوجهات نفسها.
مثال عن فكرة: مطبخ لإعداد وجبات صحية حسب الاحتياجات الغذائية لكل فرد وبأسعار تناسب مختلف الميزانيات.
في هذه الحالة، من السهل تحديد جمهورك المستهدف، وهم الذين يعانون من السمنة أو حالة مرضية معينة، مثل السكري أو الضغط، كما هم كل من يرغب في نمط حياة صحي. فإذا أطلقت هذه الفكرة بقالب مجتمعي، حيث تجيب الأشخاص على أسئلتهم مثلاً وتجمع الحالات المتشابهة في مكان واحد، تختصر طريقك إلى قاعدة جمهورك. على صعيد عاطفي، أنت تتحد معهم في مواجهة تحدياتهم الخاصة. على صعيد عملي، أنت تقدّم لهم حلّاً لم يكن متاحاً بهذه المواصفات، وقد تحقّق ربحاً أكبر مقارنةً بتقديم الفكرة نفسها، أي إعداد الطعام، ضمن نموذج عمل تقليدي مثل المطعم.
-
تمكين العملاء وزيادة ولائهم
في ريادة الأعمال الاجتماعية، أنت تمكّن عملاءك وتزيد رضاهم عن قراراتهم الشرائية لأنهم من خلال التعامل معك، يحدثون فرقاً إيجابياً في حياة الآخرين بدلاً من اكتفائهم بتحقيق مصلحتهم الشخصية.
مثال عن فكرة: تصاميم ديكور منزلي قائمة على المنتجات المدوّرة والصديقة للبيئة، عوضاً عن الخشب ومنتجات المصانع التي ترتفع بصمتها الكربونية.
تعدّ المفروشات من المنتجات الأساسية التي لا يمكن للأفراد والعائلات الاستمتاع بعيش كريم دونها. قبل علامتك التجارية، لم يكن أمامهم الكثير من الحلول المستدامة في هذا المجال. أما من خلال منتجاتك، فأنت تقدّم لهم بديلاً مبتكراً يجمع بين القيمة العملية والمعنوية للأثاث حتى لا يزيدوا الأعباء البيئية بمجرّد حاجتهم لفرش منزلهم. على صعيد عاطفي، أنت ترفع رضاهم بشأن خياراتهم الشرائية وتمنحهم دوراً فعالاً في الحد من الأزمة المناخية. على صعيد عملي، أنت توفّر لهم منتجات مميزة وعصرية تضفي لمسة حصرية إلى بيوتهم.
-
استقطاب المستثمرين والشركاء
في ريادة الأعمال الاجتماعية، أنت تطرح نموذجاً من السهل إقناع الآخرين بجدواه وبعوائده على الاستثمار. كلما ساهمت شركتك في جعل العالم مكان أفضل بالفعل، وليس كما يقول الشعار الرنّان، زالت العوائق أمامه.
مثال عن فكرة: خدمة جمع فائض الطعام لدى المطاعم ومتاجر السوبرماركت وتوزيعها على الجمعيات والعائلات ذوي الدخل البسيط أو الإمكانيات المحدودة.
هذه الفكرة واسعة النطاق إذا أنها تضم الكثير من الجهات وتعالج مشكلة كل واحدة منها. مثلاً، هناك المطاعم والمتاجر التي توفّر تكاليف إدارة الهدر وتسلّط الضوء على مساهماتها الاجتماعية. هناك الأفراد الذين تؤمّن لهم فرصاً وظيفية بسبب تعدّد مراحل خدمتك. هناك أيضاً الجمعيات التي تساعدها على تحقيق أهدافها وتحسين مستوى خدمتها. أما المستفيدون الآخرون كعائلات الدخل الضعيف، فأنت تمنحهم قيمة غذائية وصحية أعلى كما تدعم الأمن الغذائي في المملكة. على صعيد عاطفي وعملي، أنت تؤدي الكثير من الأدوار الترويجية والإنسانية، وبالتالي من السهل جذب المستثمرين والشركاء إلى مشروعك.
-
دعم سمعة العلامة التجارية
في ريادة الأعمال الاجتماعية، رؤيتك طبعاً مهمة لكنّ ذلك بقدر أهميتها للمجتمع الذي تخدمه، إذ أنّ سمعتك تنعكس مباشرةً على استمرار شركتك ونجاحها.
مثال عن فكرة: منصة تعزّز النمو الشخصي والإبداعي لدى لشباب الموهوب من خلال العروض الفنية والتجمعات وورش العمل التي تشجّعهم على تطوير قدراتهم.
لنفترض أنك شخصية تتقن فنّ التأثير وتؤمن بأنّ قدرات الشباب تستحق الضوء والاهتمام، فتقيم فعاليات وتتيح منصات للتواصل حتى ينشر الكاتب كلماته، والموسيقي ألحانه، وصاحب الفكر أفكاره، ويحصل كل ذي موهبة على مساحة مناسبة للتعبير عن إمكانياته. يمكنك مثلاً تنظيم ورش عمل لتدريب هؤلاء الشباب وتوجيههم بالتعاون مع أهل الاختصاص، وبالتالي تحصد لشركتك ضجة إعلامية كبيرة وسمعة حسنة قد تصل إلى العالمية بفضل سرعة انتشار المحتوى الإلكتروني. على صعيد عاطفي، أنت تعزّز فخر الشباب والمجتمع بهذه المواهب. أما على صعيد عملي، فأنت تجني الأرباح من فرص الرعاية والإعلان التي تقدّمها العلامات التجارية الداعمة، كما من المشتركين ويحصل كل ذي موهبة الذين يحصلون على فرص تدريبية مدفوعة أو يسوّقون لأعمالهم عبر منصتك.
في ريادة الأعمال الاجتماعية، أنت تفوز بقلب الجميع، بدءاً من العملاء ووصولاً إلى الممولين والشركاء والمجتمع ككل. هي نموذج عمل يهدف إلى الربح في نهاية المطاف ولكنّه ينجح لأسباب مختلفة عن ريادة الأعمال التي تكون مدفوعة حصراً بالمكسب المادي. إذا كنت تريد أن تنضم إلى هذا النموذج، قبل أن تفكّر في "ماذا أقدّم"، خذ خطوة إلى الوراء وفكّر في "لماذا أقدّم أي منتج أو خدمة". ما هي المشكلة التي تودّ حلّها؟ ما هو التغيير الذي تودّ المساهمة في تحقيقه؟ اختر ما يتماشى مع شغفك أو مجال اختصاصك، وكن مؤثراً في ريادة أعمالك.
مدونات أخرى
هكذا تبدأ شركتك الناشئة بأقل كلفة ممكنة
حسب أحدث الإحصاءات يوجد 582 مليون رائد أعمال في العالم، %9 منهم عندهم شهادة جامعية في إدارة الأعمال و%33 منهم ما عندهم غير الشهادة المدرسية. بمعنى آخر، ما تحتاج الكثير عشان تبدأ شركتك الناشئة، وينطبق هذا على الجانب المادي.
كن العلامة التي لا ينسونها بسهولة
منذ بضعة أيام، دخلت منى إلى إحدى الكافيهات. طلبت كوبها المعتاد من الكابوتشينو واختارت زاوية هادئة لتجلس وتنجز مهمة هذا اليوم. شغّلت اللابتوب وبدأت بحثها عن وظيفة عندما حدث ما لم تتوقعه.
خط رفيع بين الريادة والقيادة
لا بد أن تشعر بالقلق كرائد أعمال، وهو شعور مهم في المعادلة لأنه يجعلك متنبّهاً لكل ما يدور حولك ومترصّداً في ميدان تدخله للمرة الأولى. لكن بالرغم من حتمية هذا القلق، إن لم تسيطر عليه أنت، يسيطر هو عليك. فلا يكفي أن تكون رائداً، بل يجب أن تكون قائداً أيضاً، تحديداً عندما لا تبقى رؤيتك قائمة عليك وحدك بل تبدأ مرحلة التوظيف.
كن مؤثراً في ريادة أعمالك
أحدث المدونات